هل تستطيع السعودية تحدي واشنطن وموسكو معا وتمد المعارضة السورية بالسلاح النوعي..؟
يمنات
أعلنت الخارجية السعودية استمرار الدعم المقدم للمعارضة السورية المعتدلة، و بالرغم من أن الإعلان السعودي ليس الأول من نوعه إلا أنه يأتي في توقيت شديد الحساسية، في ظل تأزم الأزمة السورية بسبب التصعيد الروسي و التواطؤ و التباطؤ الأمريكي، السعودية لم تحدد بعد هل هذا التسليح يشمل أسلحة مضادة للطيران كأسلحة نوعية أم تسليح عادي غير نوعي، وفي حالة الاتجاه إلى تفسير هذا الوعد بأنه دعم نوعي، فهذا المسار يؤشر على وجود عدة احتمالات من وراءه، ابتداء سيعد ورقة ضغط سعودية على روسيا لأنه تحرك قادر على تغيير المعادلة العسكرية ميدانيا، يمثل أيضا تحدي للفيتو الأمريكي بحظر تسليح المعارضة بتفكيك حصار المعارضة الشديد والمكلف، أو أن التسليح جاء بتفاهمات أمريكية سعودية غير معلنة، فحتى الآن لم تعلن واشنطن رسميا رفع الحظر عن الدول الداعمة للمعارضة السورية، ولا زالت تدير لعبة خطيرة لإنهاك المعارضة وتوريط موسكو معا. فهل تستطيع السعودية تحدي واشنطن وموسكو معا وتمد المعارضة السورية بالسلاح النوعي..؟
تعزيز نقل السلاح
أكد وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، أمس الاثنين، التزام بلاده باستمرار الدعم المقدم للمعارضة السورية المعتدلة، و أن السعودية “تعمل على مسألة تعزيز نقل السلاح للمعارضة المعتدلة في حلب”.
أهمية التأكيد السعودي تنبع من توقيته حيث يأتي بعد فشل اجتماع لوزان حول سوريا، واشتداد المجازر الروسية، بما يجدد الموقف السعودي الرافض لسحق المعارضة واستمرار تطويقها، وعلى التوازي تستمر الجهود السعودية على المستوى الدبلوماسي، ولا زال التواصل جاريا مع واشنطن وموسكو معا.
رسائل إلى روسيا
التأكيد السعودي على استمرار تسليح المعارضة رسالة بالأساس موجهة إلى روسيا، للضغط لوقف الغارات الروسية الهمجية، و ورقة ضد اعتماد روسيا فقط على التصعيد العسكري كورقة للحسم السياسي، وحتى الآن التصعيد الروسي مستمر، فقد شنت مقاتلات حربية روسية غارات كثيفة على الأحياء المحررة من مدينة حلب، وذلك بعد ساعات من إعلان موسكو على لسان وزير دفاعها، الثلاثاء، أن القوات الجوية الروسية والسورية أوقفت قصف المدينة، حيث كذّب شهود عيان هذه المزاعم.
وكان قد أعلن وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، الثلاثاء، أن الجيشين السوري والروسي أوقفا بالفعل الغارات على مدينة حلب ابتداء من الساعة العاشرة من صباح الثلاثاء (بتوقيت سوريا)، في خطوة تمهيدية لضمان نجاح الهدنة لثماني ساعات التي أعلنتها موسكو يوم الخميس.
روسيا تهدد
الخيار السعودي بتسليح المعارضة بسلاح نوعي يجد حتى الآن ممانعة شديدة، ويعد خيارا مكلفا للسعودية والولايات المتحدة معا، فقد حذر الكاتب عبد الباري عطوان، من أنه في حال عززت واشنطن تسليحها للمعارضة السورية سيكون الرد الروسي حاسمًا مشيرًا إلي أنه ربما يتم تزويد الحوثيين بأسلحة مضادة للطائرات.
و أضاف “عطوان” في مداخلة عبر الأقمار الصناعية مع قناة الإذاعة الخارجية للتلفزيون الألماني والناطقة بالعربية، “دويتشة فيله” “روسيا الآن في مرحلة صعود وهناك تحد روسي واضح جدًا للولايات المتحدة الأمريكية، روسيا الآن تتمدد في الشرق الأوسط وإفريقيا مؤكدًا علي أنها تبني قاعدة عسكرية لها في منطقة “سيدى براني” بمصر ولديها قواعد بحرية في مدينة طرطوس السورية تريد أن تحولها إلي قواعد دائمة وتحاول أيضًا إعادة إحياء قواعدها في كوبا.”
تغيير موازين القوى
السلاح النوعي يقلب الطاولة ففي 11 أكتوبر 2016 اهتمت صحيفة تايمز أوف إسرائيل بالتقرير الذي أعدته وكالة فرانس برس حول سعي المعارضة السورية إلى الحصول على أسلحة مضادة للطائرات أرض – جو لمواجهة الغارات الجوية القاتلة على مدينة حلب، و دعوة دول عربية إلى تعزيز تسليح من أسمتهم بـ”المتمردين”، بما يغير موازين القوى في الصراع السوري، ويثير قلق الولايات المتحدة.
إلا أن موقع قناة العربية الناطق بالإنجليزية نقل نفي المتحدث باسم الهيئة العليا للمفاوضات، رياض نعسان آغا، أن تكون المعارضة السورية تلقت أي صواريخ أو تقنيات للدفاع الجوي. مؤكدًا النفي ذاته الذي سبق وأن أدلى به سالم بن عبدالعزيز المسلط، عضو الائتلاف الوطني السوري، في مؤتمر صحفي استضافته الرياض.
خيار السعودية بالتسليح النوعي
إلا أن تفعيل وتنفيذ هذا الخيار ليس أمرا مستبعدا، فقد سبق وأعلن وزير الخارجية السعودي عادل الجبير في 20/2/2016 تأييد بلاده لتسليح المعارضة السورية المعتدلة بصواريخ أرض – جو، لتمكينها من ردع وتحييد طائرات نظام بشار الأسد المقاتلة التي تستخدم القنابل الكيميائية في هجماتها التدميرية.
و أوضح الجبير في مقابلة مع أسبوعية “دير شبيغل” الألمانية، أن تسليح المعارضة السورية بالصواريخ المضادة للطائرات من شأنه تعديل موازين القوى العسكرية في سوريا، مثلما جرى عند استخدام هذه الصواريخ خلال الحرب الأفغانية ضد الاحتلال السوفياتي السابق.
و شدد على ضرورة التعامل مع هذا الموضوع بحذر شديد حتى لا تسقط هذه الأسلحة في الأيدي الخطأ، مؤكدا أن القرار في هذا الموضوع يبقى في النهاية للمجتمع الدولي لا للسعودية.
تحرك منفرد أمر متوقع
الموقف الأمريكي الملتبس يدفع الدول الصديقة للثورة السورية إلى التحرك منفردين، فمنذ أسبوعين في 5/10/2016، أكد مسؤولون أمريكيون، أن انهيار الهدنة في سورية مؤخراً يعني زيادة إمكانية تقديم السلاح من قبل دول الخليج العربي، لقوات المعارضة السورية، بما في ذلك الصواريخ المضادة للطائرات المحمولة على الكتف، والتي قد تهدد الطيران الحربي لقوات النظام والقوات الروسية أيضاً، رغم أن الإدارة الأمريكية ما زالت ترى أن السبيل الوحيد لإنهاء الحرب في سورية هي المفاوضات السياسية.
و بحسب وكالة “رويترز” فإن الهدنة انتهت فعلياً بقصف قافلة المساعدات في ريف حلب الغربي بتاريخ التاسع عشر من شهر أيلول الماضي، وما تبع ذلك من تبادل الاتهامات بين موسكو وواشنطن حول المسؤولية عن ذلك القصف أو التورط فيه بحد أدنى، ونقلت الوكالة عن مسؤول أمريكي فضل عدم الكشف عن اسمه، قوله إن “الإدارة الأمريكية أصرت على حظر توريد الصواريخ المحمولة على الكتف إلى قوات المعارضة، سعياً لدفع الحل السياسي في سورية”.
الحظر الكامل
يشار إلى أنه منذ عام 2012 فرضت الولايات المتحدة حظراً كاملاً على جميع الدول التي تقدم بعض الدعم العسكري للثوار في سوريا ويتضمن هذا الحظر منع تزويد أي فصيل سوري بأية أسلحة نوعية دون أخذ الإذن من واشنطن خاصة تلك الأسلحة التي يمكن استخدامها ضد الطيران بحجة الخشية من وقوع هذه الأسلحة في الأيدي الخطأ. وبالتالي استخدامها ضد الطيران المدني أو ضد طائرات التحالف أو الطائرات الأمريكية. والمقصود بالأيدي الخطأ حسب التصنيف الأمريكي جميع الفصائل ذات التوجهات الإسلامية ولا يقتصر الأمر فقط على تنظيم القاعدة أو تفرعاته في سوريا “تنظيم الدولة” جبهة فتح الشام.”
ما موقف واشنطن من تسليح المعارضة
من جهته يرى الكاتب علي الأمين أن “ما تريده واشنطن اليوم ليس إسقاط نظام الأسد ولا توفير الدعم الفعلي لقوى المعارضة، لكن تريد أن تستعيد الدور الذي قامت به خلال السنوات الماضية، وبدا لها أنّ روسيا تريد لها أن تلتزم بما تفرضه حسابات موسكو. الانتفاضة الأميركية لا تتجاوز مسألة استعادة هيبة سياسية في المشهد السوري، وأرادت أن تظهر لروسيا أنّها قادرة على فرض وقائع جديدة ليس عبر التدخل العسكري بل بالانسحاب من التشاور الثنائي، فواشنطن تعلم أنّ الدور الأميركي في روسيا كان عاملا مساعدا لروسيا. لذا روسيا لا تتخوف من ضربة عسكرية أميركية في سوريا، واستبعدت ذلك أصلا، لكنّها قلقة من تمنّع الإدارة الأميركية أن تكون شريكا بشروط روسية في حلّ الأزمة السورية.
تعطيل التفوق العسكري الروسي
وأضاف “الأمين” في مقال بعنوان “مؤتمر لوزان أو نقطة توازن بين الحرب الباردة والساخنة” بـ”العرب اللندنية” “القلق الروسي ينطلق من إدراك موسكو أنّ واشنطن تستطيع أن تتحمل إدارة الأزمة السورية لسنوات، فيما موسكو ليست قادرة على الذهاب في الخيار العسكري إلى النهاية، وتدرك أنّ شروط الحل السياسي ليست متوفرة ما دام نظام الأسد هو الذي يحتفي بانتصارات روسيا العسكرية. الورقة الأميركية المقلقة لروسيا تكمن في فتح قنوات تسليح المعارضة السورية بصواريخ تعطل التفوق العسكري الروسي المستند على القوة الجوية، وفي حال سمحت واشنطن لأصدقاء المعارضة بتزويدها بمثل هذا السلاح، فسيعني ذلك أنّ روسيا دخلت في فصل جديد من الاستنزاف من دون أفق سياسي.